كتاب مصابيح الضياء في معرفة المنازل والأنواء
أ.عبدالله الدرع
متخصص في علوم الجغرافيا
------------------------------------------------------
مقدمة :
كثيرا ما تلقى المنازل ، والأنواء اهتماما كبيرا من محبي علم الفلك ( الهيئة ) والراغبين في معرفة المزيد عنها ...
ولقد كان هذا العلم شائعا لدى العرب الأقدمين شيوعا كبيرا .
عرفه عامتهم ، ونطقت به ألسن شعرائهم ، وضمنوا قصائدهم الكثير من أسماء النجوم ، والأنواء ..
كسهيل ، والثريا ، والدبران ، والفرقدين ، والشعرى اليمانية ..
وقد كان اهتمامهم بها شديدا ، من حيث الاهتداء بها في السفر ، والتعرف من طلوعها وغروبها على الأنواء ، والمواسم ، ودخول الحر ، وخروج القر ، والأوقات المناسبة لزراعة المحاصيل .. الخ
ونحن ان شاء الله تعالى سنسير على خطاهم ..
وسنحاول أن نسلك ما سلكوا ، وننهل مما نهلوا ، ونتعلم ما تعلموا ..
من خلال ذلك الجهد القليل ، والعمل المتواضع الذي أسميته :
( مصابيح الضياء في معرفة المنازل و الأنواء ) .
فاليكموه ..
والله الهادي الى سواء السبيل .
الفصل الأول : مصطلحات فلكية
أولا : السنة الضوئية :
هي وحدة مبتكرة ، لقياس أبعاد النجوم . فمن المعروف أن سرعة الضوء تساوي ( 000 , 186 )
ميل في الثانية أي نحو 600 , 297 كيل في الثانية . وهذا ما يعادل ( 300 مليون متر في الثانية ) .
لذلك فلو صدر شعاع ضوء من جسم معين ، فانه خلال سنة زمنية كاملة ، يقطع بهذه السرعة مسافة تعادل :
000000 , 865396 , 5 ميل أي نحو ( 6 مليون مليون ) ميل ! وهو ما يعادل
(000000 , 385000 , 9 كيل ) ، أي نحو ( 9 مليون مليون كيل )
ثانيا : أبعاد النجوم :
تقاس المسافة التي تفصل بين الكرة الأرضية والنجوم بمقياس ( السنة الضوئية ) .
. ومن المعروف أن أقرب النجـوم إلى كوكب الأرض هو نجم( الأقرب القنطوري ) أو ( الفاقنطوري ) وهو يقع على مسـافة ( 2 , 4 ) سنـة ضوئية تقريبا أي ( 000000 , 000000 , 25 ميل ) تقريبا أي نحو ( 40 مليون مليون كيل ) .
وهذا يعني أن بعد أقرب النجوم إلى الأرض ، يزيد على بعد الشمس ( 300 ألف مرة ) ! .
ثالثا : أحجام النجوم :
من أروع الأمثلة على كبر أحجام كثير من النجوم ، أن نجم ( إبط الجوزاء ) يبلغ قدر حجم الشمس
( 25 مليون مرة ) ! .
والنجم المعروف باسم ( قيطس ) يكبر حجمه حجم الشمس بنحو ( 30 مليون مرة ) ! .
رابعا : القدرة الشمعية للنجوم :
وهو المقدار الذي يعادله شدة الضوء الصادر من النجم ، شدة الضوء الصادر عن عدد معين
من الشموع . وعلى ذلك فان القدرة الشمعية للشمس تعادل ( 3000 مليون مليون مليون مليون ) شمعة !
بينما القدرة الشمعية لألمع نجوم السماء نجم ( الشعرى اليمانية ) تفوق قدرة الشمس الشمعية بنحو ( 26 مرة ) .
خامسا : أقدار النجوم :
هي درجات لمعان النجوم ، وهي تقسم إلى ( 23 قدرا ) ، والعين المجردة لا تستطيع أن ترى من النجوم إلا ماكانت من الأقدار الستة الأولى فقط .
فأقل النجوم خفوتا ، تنتمي إلى القدر السادس ، أما التي من القدر الخامس ، فيزيد لمعانها عنها مرتين ونصف المرة والتي من القدر الرابع أشد لمعانا من سابقتها في القدر مرتين ونصف المرة ، وهكذا ..
حتى نجد أن نجوم القدر الأول تزيد عن نجوم القدر السادس في اللمعان ( 100 ) مرة .
وعلى ذلك يكون حساب أقدار لمعان النجوم بالشكل التالي :
1 – نجوم القدر الأول : نسبة لمعانها ( 100,00 ) .
2 – نجوم القدر الثاني : نسبة لمعانها ( 39,80 ) .
3 – نجوم القدر الثالث : نسبة لمعانها ( 15,85 ) .
4 – نجوم القدر الرابع : نسبة لمعانها ( 6,31 ) .
5 – نجوم القدر الخامس : نسبة لمعانها ( 2,51 ) .
6 – نجوم القدر السادس : نسبة لمعانها ( 1.00 ) .
وهنا تجدر الإشارة إلى أن :
أ - نجوم القدر ( 0 ) أشد لمعانا من نجوم القدر الأول .
ب - نجوم الأقدار السالبة ( - ) أكثر لمعانا من نجوم الأقدار الموجبة ( + ) .
وعليه فان نجم ( الشمس ) يبلغ قدر لمعانها ( - 26,7 ) .
وقدر لمعان كوكب القمر ( - 12,6 ) .
وقدر لمعان نجم الشعرى اليمانية ( ألمع نجم في السماء ) في كوكبة الكلب الكبير ( - 1,6 ) .
وقدر لمعان نجم ( سهيل اليمن ) في كوكبة السفينة ( - 0,86 ) .
وقدر لمعان نجم ( قلب العقرب ) في برج العقرب ( 1,22 ) .
وقدر لمعان نجم ( قلب الأسد ) في برج الأسد ( 1,34 ) .
وقدر لمعان نجم ( الدبران ) في برج الثور ( 1,06 ) .
وقد لمعان نجم ( مؤخر التوءمين ) في برج الجوزاء ( 1,21 ) .
وقدر لمعان نجم ( السماك الأعزل ) في برج العذراء ( 1,21 ) .
وقدر لمعان نجم ( إبط الجوزاء ) في كوكبة الجبار ( 1,4 ) .
وعند التفكير في ( أقدار النجوم ) لا بد من الإحاطة بأن مدلولها ظاهري فقط ، إذ أن عامل البعد له ارتباط وثيق بمقدار درجة اللمعان .
فرب نجم خافت لو زاد قربه من كوكب الأرض .. لزاد قدره عشرات المرات .
ولذلك فان للفلكيين بعد قياسي وهمي يبلغ مقداره ( 32,6 ) سنة .
وتقاس درجة لمعان كل نجم عند هذا المقياس ، وتسمى عندئذ ( القدر المطلق ) .
وألمع نجوم السماء في نصف الكرة الشمالي عددها ( 20 نجما ) ، أشدها لمعانا ( الشعرى اليمانية ) في كوكبة الكلب الكبير .
سادسا : ألوان النجوم :
النجوم هي عبارة عن غازات ملتهبة ، مشتعلة ، يتم فيها الاحتراق ذاتيا .
تظهر النجوم للناظر إليها بالعين المجردة ذات لألوان مختلفة .. منها : الأبيض ناصع البياض ، والأصفر ، والأحمر ، والأزرق .
وسبب اختلاف درجة اللون هو اختلاف درجة حرارة النجم نفسه ، ولذلك استدل من درجة اللون على درجة الحرارة على سطح النجم .
وقسم العلماء النجوم من حيث ألوانها إلى ست مراتب ، هي :
1 – مرتبة النجوم الزرقاء .
2 - مرتبة النجوم الخضراء .
3 – مرتبة النجوم البيضاء .
4 – مرتبة النجوم الصفراء .
5 – مرتبة النجوم البرتقالية .
6 – مرتبة النجوم الحمراء .
وقسموا كل مرتبة منها إلى عشرة أقسام فرعية ، بحسب درجات لون نجوم القسم نفسه .
سابعا : حرارة النجوم :
وأشد هذه النجوم حرارة النجوم ذات اللون الأزرق ، مثل نجم ( الشعرى اليمانية ) ، ونجم النسر الواقع ( فيقا ) و نجوم حزام الجبار ( النيلم ) الثلاثة . وتمتاز بالحرارة العالية جدا ، حيث تتراوح درجة حرارة سطحها بين ( 23000 - 39000 ) درجة مئوية .
وتلك الحرارة العالية ، والاحتراق الداخلي الشديد أكسباها اللون الأزرق .
ثم النجوم ذات اللون الأخضر ، مثل نجم ( السهى ) ، وهو نجم صغير مرافق لنجم المئزر ( العناق ) في كوكبة الدب الأكبر .
ثم النجوم ذات اللون الأبيض ، مثل : نجم ( الطائر ) ، ونجم ( ذنب الدجاجة ) ، ونجم ( فم الحوت ) .
ثم النجوم ذات اللون الأصفر ، مثل نجم ( الشمس ) ، ونجم ( العيوق ) ، ونجم ( السماك الرامح ) .
وتبلغ درجة حرارة داخلها مليونا ( 2,000,000 ) درجة مئوية ، ودرجة حرارة سطحها حوالي ( 6000 ) درجة مئوية .
ثم النجوم ذات اللون البرتقالي ، مثل : نجم ( التوءم المؤخر ) .
وأقلها حرارة النجوم ذات اللون الأحمر ، مثل نجم ( قلب العقرب ) ، ونجم ( الدبران ) ، ونجم ( منكب الجوزاء ) .
وتتراوح درجة حرارة سطحها بين ( 1400 - 2000 ) درجة مئوية .
ثامنا : كوكبات النجوم :
أطلق الفلكيون المسلمون على مجموعات النجوم اللامعة وتشكيلاتها اسم ( الكوكبات ) ، أو المدن النجمية ( Const Ellation ) ، وقد ساعد هذا في سهولة التعرف عليها ..
وقد أولع الناس بتصور المجموعات النجمية ( الكوكبات ) على هيئة حيوانات ، أو أبطال ..
كالحصان المجنح ، والدب ، والعقاب ، والحية ، والدجاجة ، والجبار ، وقيفاوس ، والمرأة المسلسلة ، وفرساوس ، وهرقل نسجوا لها الخرافات والأساطير ، منذ عهد قدماء المصريين ، والصينيين ، واليونان ، والرومان ، والكلدان ، والاغريق ، والمسلمين .
ولم يكن القصد من ذلك إلا التشبيه ، حيث أن نجوم تلك الكوكبات تنتظم بأشكال مميزة ، يمكن تصورها بعدة هيئات ..
وحينما تنوعت تلك الأشكال ، وزاد عددها ، كان لابد من وضع سجلات ، وخرائط تحدد مواقعها .
تاسعا : الخرائط السماوية :
حينما تنوعت أشكال المجموعات النجمية ، وكثر عددها ؛ رسمت الخرائط السماوية لمواقع تلك المجموعات النجمية ( الكوكبات ) ، والبروج على مدار فصول السنة المختلفة ..
وأصبحت الخرائط السماوية تشبه الخرائط الجغرافية . تظهر عليها أسماء ، وتقسيمات المواقع ، على اليابسة .
عاشرا : النجوم الشمالية ، والنجوم الجنوبية :
وحتى تسهل عملية مراقبة النجوم ، والتعرف عليها ، وحتى تكون العملية منتظمة ، ومتسلسلة ، فقد
جرى تقسيم السماء إلى قسمين : شمالي ، وجنوبي . يفصل بينهما خط الاستواء السماوي .
الذي يقطع السماء من الشرق إلى الغرب في دائرة مثل الدائرة الاستوائية التي تقطع كوكب الأرض من منتصفها .
وعليه فان ما وقع من النجوم شمال خط الاستواء السماوي فهي النجوم الشمالية أو ( الشامية ) ،
وما وقع جنوبه فهي النجوم الجنوبية أو ( اليمنية ) .
لذا فالنجوم اليمانية ترى من الشام في الأفق الجنوبي ، والنجوم الشامية ترى من اليمن في الأفق الشمالي .
حادي عشر : حركة النجوم الظاهرية :
أنظر إلى صفحة السماء ، وتأمل النجوم في مساء مظلم ، ثم ركز بصرك على أحد النجوم اللامعة
التي تظهرفي الشرق وحدد موقعه بعمود ، أو شجرة .
أنظر إليه مرة أخرى بعد بضع ساعات ، سوف تلاحظ أن ذلك النجم قد تحرك الغرب ، وبعد بضع ساعات أخرى ستجده قد اقترب من الجهة الغربية من السماء حتى يختفي أسفل الأفق الغربي .
إن ما يفعله هذا النجم المراقب تفعله جميع الأجرام السماوية ، وتظهر لنا من كوكب الأرض
متحركة في السماء من الشرق باتجاه الغرب .
فهل هذه الحركة من الشرق إلى الغرب التي تقوم بفعلها الأجرام السماوية تحدث فعلا ؟
إن رحلة الأجرام السماوية من الشرق إلى الغرب ليست حركة حقيقية تفعلها تلك الأجرام ، وإنما
هي حركة ظاهرية ، أي تظهر لنا وكأنها تتحرك من الشرق عبر قبة السماء إلى الغرب .
والحقيقة أن هذا ناتج عن دوران الأرض حول محورها من الغرب إلى الشرق مرة واحدة في اليوم كل ( 23 ساعة و 56 دقيقة ) ، قاطعة ما يقرب من ( 15 درجة في الساعة الواحدة ) .
أما التغير الفصلي في ظهور النجوم في قبة السماء فهو ناتج عن دوران كوكب الأرض حول الشمس
في مدار بيضاوي خلال مدة ( 365 يوما و 5 ساعات و 48 دقيقة و 51 ثانية ) وهي ما تعادل سنة شمسية كاملة ، قاطعة أربع درجات يوميا . ونظرا لميل محور الأرض على مدارها حول الشمس بزاوية ( 23 درجة ) على الاتجاه الرأسي على المدار فانه تحدث بسبب ذلك الفصول الأربعة ( الربيع ، الصيف ، الخريف ، والشتاء ) .
وفي كل فصل من فصول السنة تظهر تشكيلات جديدة من النجوم ، تختلف عن تشكيلات الفصول
السابقة .
حيث أن النجم الذي نراه في فصل الشتاء ، في تمام الساعة التاسعة مساء لن نراه في فصل الصيف
في الوقت نفسه ، والمكان نفسه ، حيث أن موقعه قد تغير بعدما قطعت الأرض خلال ستة أشهر نصف دورتها حول الشمس .
والسؤال هنا :
كيف يتم ذلك والأرض تدور حول محورها كل يوم ؟
وللإجابة على هذا السؤال لابد أن نعلم أن مدة دورة الأرض حول محورها تتم في 23 ساعة ، و 56
دقيقة على وجه التحديد ، وليس كما هو متعارف عليه في 24 ساعة !
ومن ذلك يحدث أن تتم الحركة الظاهرية للنجوم أسرع من حركة عقارب الساعة بفارق ( 4 دقائق ) في اليوم الواحد !
فلو ظهر لنا نجم معين في السماء مساء هذا اليوم في مكان ما في تمام الساعة العاشرة ، فانه في
اليوم التالي يظهر في نفس المكان في الساعة التاسعة وست وخمسين دقيقة ، وفي اليوم التالي في الساعة التاسعة وثنتين وخمسين دقيقة ..
وهكذا يتناقص ظهوره كل يوم ( 4 دقائق ) ، حتى نراه بعد أسبوع يظهر في الساعة التاسعة وثنتين
وثلاثين دقيقة ، وبعد ثلاثة أشهر يختفي تحت الأفق في هذا الوقت ، ويظهر مكانه نجم آخر ، من كوكبة
أخرى .
لذا فلكل فصل من فصول السنة نجومه الخاصة ، وكل نجم فيها يتم دورة كاملة في الظهور خلال العام
الشمسي الواحد .
يتبع ان شاء الله تعالى الفصل الثاني ..