ما هو علم الفلك (Astronomy)؟
فرع علمي يختص بدراسة كلّ شيء في الكون (باستثناء الأرض).
وكلمة astronomy كلمة يونانية مؤلفة من مقطعين: (astro وتعني نجم) و (nomy وتعني قانون..).. وذات الأمر مع مصطلح:
(astrology) ولكن العلماء اليوم يفرّقون بين علم الفلك (الأسترونومي) كعلم قائم بحد ذاته، وبين التنجيم (الأسترولوجي)
أما كلمة الفلك فكانت عند العرب تعني مدار النجم، وكان يطلق على علم الفلك لدى العرب أسماء عدة منها: علم
الهيئة/النجوم/التنجيم، بدون فصل بين علم الفلك والتنجيم، ونفس الأمر بالنسبة للمنجم، فهو الذي يشتغل بأحد العلمين
أو بكليهما فالمنجم نفسه الفلكي، ودليل ذلك قول المسعودي (توفي عام 956 م): "صناعة التنجيم والتي هي جزء من
أجزاء الرياضيات وتسمى باليونانية (astronomy) تنقسم قسمة أولية إلى قسمين أحدهما العلم بهيئة الأفلاك وتراكيبها
ونصبها وتأليفها والثاني العلم بما يتأثر عن الفلك".
2. معظم علماء الفلك في الوقت الحالي هم حقيقة فيزيائيين فليكين..
حتى نهايات القرن التاسع عشر, كان علم الفلك علماً وصفياً أو رياضياً. حيث كان علماء الفلك يرسمون أو يأخذون صور
الأجسام عبر تلسكوباتهم ويقومون بحساب مواعيد الكسوف أو الخسوف, أوضاع الكواكب أو أوضاع النجوم و
المسافات إليها، الخ.. لكن علماء الفلك آنذاك افتقروا إلى فهم حقيقي للخواص الفيزيائية للنجوم أو العمليات التي كانت
تحكم كيفية إشعاع وتطور هذه النجوم. بعد ذلك الوقت, القفزات المهمة في فهمنا للذرة و كيفية تفاعل المادة والطاقة
سمح لعلماء الفلك أن يكتشفوا طرق العمل الداخلية المعقدة للكون عبر تطبيق قوانين الفيزياء في المجالات الواسعة.
لهذا السبب, معظم علماء الفلك اليوم يدرسون الفيزياء الفلكية.
3. يقسم علماء الفلك بشكل عام إلى: علماء الفلك الرصديين والعلماء النظريين، وكثيراً ما يكمل عمل بعضهم بعضاً.
بينما يعمل بعض علماء الفلك في كلا المجالين, فإن العلماء غالباً ما يتخذون إحدى الصفتين، هذا بالرغم من أن علماء
الفلك الرصديين ليس بالضرورة أن يقضوا معظم أوقاتهم في المراصد وراء التلسكوبات, فهم يشتركون في استعمال
وتصميم التلسكوبات و تطوير واستخدام باقي الآلات (مثل كاميرات, الفوتومترات ومناظير تحليل الطيف) في سبيل
الحصول على وتحليل البيانات من الأجسام الفلكية. بالمقابل، العلماء النظريين يقومون باستخدام الكومبيوترات الفائقة
السرعة ليضعوا النماذج الرياضية للظواهر الفلكية في الفضاء، أحياناً, قد يكتشف علماء الفلك الرصديين بعض الظواهر
الجديدة غير المعروفة في الفضاء، وهنا يحاول النظريين استخدام الرياضيات وقوانين الفيزياء المعروفة للتوصل إلى
تفسير الظاهرة المرصودة.. مثال: اكتشاف جوسلين بل للنجوم النباضة في نهاية ستينات القرن العشرين، ومن ثمن
تطوير نظرية النجوم النيترونية.
في أحيان أخرى، يطور العلماء النظريون نظرية تتنبأ بوجود ظواهر معينة أو ظروف مادية في الفضاء، ومن ثم يقوم
الراصدون بالعمل على التأكد من صحة نبوءات النظرية بخصوص ظاهرة أو جسم أو شرط ما
مثال: التنبؤ النظري بوجود الثقوب السوداء، ومن ثم اكتشافها فيما بعد (وإن كان يتم الكشف عن الثقوب السوداء بطرق
غير مباشرة، قد نتحدث عنها عندما نصل إليها).
مثال آخر: تنبؤ البريطاني جون آدامز والفرنسي لوفريير بوجود كوكب أبعد من أورانوس واكتشاف نبتون بناء على ذلك
4. تتم دراسة الكون بصورة غير مباشرة، حيث يتعرف علماء الفلك على الكون عبر جمع وتحليل الضوء وأشكال الإشعاع الأخرى التي تأتينا من الأجسام في الفضاء عبر التلسكوبات.
لا يمكن أن يذهب علماء الفلك لدراسة الكواكب, النجوم والمجرات، بدلاً من ذلك, يجلسون هنا و يدرسون الكون من خلال
المعلومات المرسلة إلينا. أما الرسل التي تحمل إلينا هذه المعلومات فهي حزم الضوء وأشكال الإشعاع الأخرى.. بالرغم
من ذلك لا يشكل هذا الأمر انتقاصاً من علم الفلك، فحتى اليوم، نعرف المسافات إلى النجوم والكواكب والمجرات، كتلها،
حرارة سطحها وتكوينها الكيميائي ... وهذا بالتّحديد ما يجعل علم الفلك أداة سحرية مدهشة للاكتشاف، وإبداع عبقري
للعقل البشري.
5. النظريات الأولى للكون جعلت الأرض في مركزه
ساد هذا الاعتقاد بين اليونانيين والهندوسيين والصينيين، ومعظم الثـقافات القديمة، التي رأت أن عالم الأرض يختلف عن
وماء ونار وهواء، أما في السماوات فهي مكونة من مواد أثيرية، الشمس والقمر والجوالات الخمسة، وجميعها تدور حول
الأرض بمدارات دائرية تحديداً لأن أرسطو كان يرى بالدائرة الشكل الأمثل، وفي السماوات المثالية لا يمكن للكواكب إلا
أن تتبع هذا النوع من الحركة، وكل كوكب يتخذ له مساراً ضمن قبة شفافة كبيرة تتثبت عليها النجوم.
صورة للعالم القديم، نرى فيها أن الأرض منبسطة، تحملها مجموعة من الحيتان الضخمة (لعل وجود الحيتان كي يعلل الهزات الأرضية، وليس لحركة الأرض، فمعظم الحضارات القديمة كانت تعتقد بثبات الأرض ودوران الأفلاك من حولها)
صورة أخرى للعالم وفق التصور القديم.. ولكن فيها تقدم ملموس.. وهو جعل الأرض على شكل نصف كرة.. (نعرف أن الشكل الكروي للأرض وللكواكب الأخرى كان مقبولاً، بل ومبرهناً عليه لدى اليونان.. وسنرى قريباً الأدلة التي قدمها أرسطو على كروية الأرض)
هذه الصورة تستند أيضاً إلى رؤية اليونانيين للعالم.. حيث كانوا يعتقدون أن عالم السماوات غير العالم الأرضي.. ونرى فيها أن عالماً رحالة، قد وصل إلى تخوم العالم الأرضي ومد يده خارجاً.. ونلاحظ الآلات والمحركات التي تسيـّـر العالم الأثيري خارج الأرض
6. كانت رؤية أرسطو للكون منظمة جداً، لكنها افتقدت الدقة.
الصينيون القدماء غير المتأثرين بكتابات أرسطو، سجلوا تغييرات في السماء كثيرة، شاهدوها، مذنبات أو النجوم
الزائرة (الانفجارات النجمية). والغربيين بالتّأكيد رأوا مثل هذه الأشياء أيضًا, لكنهم لم يكونوا ليعارضوا أفكار الرجال
العظماء (كان اليونانيون بتأثير من أرسطو وغيره.. قد أكدوا أن السماوات كاملة.. ولا يمكن لشيء أن يشوّه كمالها)..
مثال هنا:
انفجار المتجدد الجبار في عام 1054 ، ظل المتجدد الجبار واضحاً في منتصف النهار لـ 23 يوم متتالية، وظل يشاهد في
السماء لأكثر من سنتين، وقد ذكره الصينيون في أقصى الشرق.. وحتى الهنود جنوب أمريكا، إلا أن الأوروبيين لم
يذكروه، فقط لأن الكنيسة قررت أن السماوات كاملة وأرسطو لم يذكر أي شيء عن انفجار يشوّه السماء!!!
إلا أن هذا لم يستمر طويلاً..
7. بعض الكواكب، بالنسبة للراصد القديم، لم تكن "أنيقة" في حركتها!
المريخ، المشتري، وزحل، كانت حركتها محيرة، حيث تبدو بحركة متقدمة بالنسبة لخلفية النجوم، ولكنها فجأة تعكس
حركتها للخلف!! وبعد فترة تعاود التقدم!! نحن نعرف اليوم سبب هذه الحركة الظاهرية للكواكب الخارجية..
تفسير الحركة التقهقرية "الظاهرية" بسيط جداً.. كما نرى في هذه الصورة.. فقط نحتاج أن نستبدل مركزية الأرض، بمركزية الشمس.. وأظن أن الفكرة سهلة الاستبيان بالنظر إلى الصورة أعلاه..
8. النظام السماوي المعقد لكلوديوس بطليموس (100 – 170 م).
في كتابه المجسطي، والذي ضمنه أكثر الأعمال الفلكية اليونانية الأولى، وضع بطليموس منظومة كونية تحتل الأرض
مركزها، وتدور حولها سبع كرات هي: القمر والشمس والكواكب الخمسة المعروفة آنذاك " عطارد- الزهرة- المريخ-
المشتري- زحل " وكانت كرة الثابتات تحمل النجوم التي تبدو ثابتة المواقع بالنسبة لبعضها وتتحرك معاً وكأنها جسم
واحد، أما ما وراء هذه الكرة فهو غير قابل للرصد من قبل البشر! أما الحركة التقهقرية للكواكب فقد فسرها بطليوس
باستخدام دوائر التدوير (وهي فكرة كان قد طرحها هبارخوس قبله بـ 200 سنة)..
نرى في هذه الصورة نموذج بطليموس للكون، مع توضيح فكرة دوائر التدوير التي اعتمدها كي يفسـّـر الحركة التقهقرية.. بحيث نرى أن المشتري وهو كوكب خارجي (في يسار الصورة) يتبع مساراً دائرياً، لكن مركز هذا المدار يدور على مدار دائري حول الأرض.
وكي لا نغبن اليونانيين حقهم في تأسيس علم الفلك، نتوقف قليلاً هنا للحديث باختصار عن أبرز علماء الفلك اليونانيين
قبل أن نقفز إلى الثورة التي أحدثها كوبرنيكوس ومن أتى بعده..
ثيلز (640 – 545 ق.م):
نقل الهندسة والمساحة عن مصر القديمة وحدد مسار الشمس السنوي في السماء، ومواقع الشمس عليه في الفصول
المختلفة، كذلك عرف طول السنة الشمسية.
آنا كسيما ندار (611 – 547 ق.م):
حدد المواقع النسبية للشمس والقمر والأرض وبقية أفراد المجموعة الشمسية المعروفة آنذاك.
فيثاغورس (560 - 497 ق.م):
أول من حاول تفسير حركات الكواكب بعلاقات عددية بسيطة، وقد آمن فيثاغورس وأتباع مدرسته بكروية الأرض وباقي
الأجسام السماوية السبعة، وقد صور فيثاغورس الكون على أنه عدة كرات متمركزة مع بعضها ويحمل كل منها جسماً
من الأجسام السماوية، وبحركة هذه الكرات تتحرك الأجسام هذه بالنسبة لبعضها، وتدور هذه الكرات حول مركزها
المشترك الذي هو الأرض.
فيلولاوس (القرن الخامس قبل الميلاد):
من أبرز أتباع مدرسة فيثاغورس، وكان أول من طرح فكرة حركة الأرض، فقال بأنها تتبع مساراً دائرياً كل يوم وتبقي
دوماً الوجه نفسه نحو المركز، ولم يضع الأرض في مركز الكون! ولا حتى الشمس! بل وضع ناراً مركزية تدور حولها الأرض
والشمس والقمر والكواكب الخمسة وقبة النجوم، وبما أن الفيثاغورسيين كانوا يبجلون الرقم 10 فقد أضاف فيلولاوس
جسماً متحركاً عاشراً كان هذا الجسم هو الأرض المواجهة والتي تتحرك دوماً لتبقى بين النار المركزية وأرضنا الدوارة
فتحميها من التعرض المباشر للنار.
هذه الصورة مصغره ... نقره على هذا الشريط لعرض الصوره بالمقاس الحقيقي ... المقاس الحقيقي 617x672 والحجم 82 كيلوبايت .
إيدكسوس (408 – 355 ق.م):
طور نظام فيثاغورس بافتراضه أن كل كرة في الواقع لها محور يستند على الكرة التي تحيط بها، وهكذا بتحديد سرعة
تلك الكرات تمكن بشكل دقيق من إعادة تمثيل حركات الأجسام في القبة السماوية.
أرسطو (384 - 322 ق.م):
أبرز تلامذة أفلاطون، والذي سيطرت فلسفته على تفكير الإنسان لمدة ألفي عام، فالأرض كما كان يعتقد ثابتة
والكواكب الأخرى تدور حولها وفق أفلاك دائرية، فالدائرة هي الشكل الأكثر كمالاً لذا يجب على الجوالات السماوية أن
تتحرك وفقاً لها! ومن تفسيره للسلوك الحركي: أن الجسم لا يستمر بالحركة إلا ببقائه على تماس مباشر مع محرك فاعل
باستمرار وإلا فإن الجسم يتوقف، وقد كان هذا الفاعل في حالة الكواكب ملائكة مسخرة تخفق بأجنحتها من خلف
الكوكب!
وقدم أرسطو دليلين متينين على كروية الأرض، أولهما: تغير موقع نجم القطب من كبد السماء لناظر من الشمال إلى
حدود الأفق للناظر من الجنوب، وثانيهما خسوف القمر أي وقوع الأرض بينه وبين الشمس والظل الدائري الذي تلقيه
الأرض دائماً على صفحة القمر، فلو كانت الأرض قرصاً دائرياً لاتخذ ظلها على القمر شكلاً إهليلجياً وهذا ما لم يلاحظ، مما
يدل على أن الأرض كروية.
أريستارخوس الساموزي (310 – 230 ق.م):
الذي عرف بالرياضي، كان أول من حاول قياس بعد الشمس والقمر عن الأرض، وقدر حجميهما النسبيين وتوصل إلى
اقتراح نظام مركزية الشمس، لكن هذا النموذج لقي اعتراضات عدة منها أن حركة الأرض تستوجب تغيرات في مواضع
النجوم المرئية، فاقترح أرسطرخوس بجرأة أن هذه النجوم أبعد بكثير مما اعتقدوا. وفي حين يعيد الكثير من الناس
اليوم فكرة مركزية الشمس إلى كوبيرنيكوس إلا أن أريستارخوس كان قد طرحها قبل ذلك بثمانية عشر قرناً، أما لماذا
أهمل ذكر أريستارخوس والكتب التي ألفها (ويقال أنها تزيد عن 70 مجلد تناقش مواضيع علمية) فلأن هذه الأعمال قد
تعرضت للإتلاف المتعمد من قبل أفلاطون صاحب الجمهورية والنظرية الفاضلة!! وبعض العلماء اليوم يقولون أنه لو بقيت
مؤلفات أريستارخوس لربما كانت سوية التطور العلمي في وقتنا الحالي موازية لما ستكون عليه في القرن الثاني أو
الثالث والعشرين..
أرخميدس (287 – 212 ق.م):
الرياضي والمخترع والذي عرف باكتشافه لمبدأ الطفو، كان أول من أنجز نموذج للبلانيتاريوم، بالإضافة إلى الشعيرات
المحكمة التي يزود بها المنظار، والتي استفاد منها في إجراء أرصاد سماوية دقيقة.
أبولونيوس البرجي (262 – 200 ق.م):
طور هندسة حركة الكواكب الظاهرية التقهقرية والتي استفاد منها بطليموس فيما بعد، كما وضع نظرية في القطوع
المخروطية والتي استفاد منها بعد سبعة عشر قرناً يوهانس كبلر عندما أثبت أن مدارات الكواكب ليست دائرية بل
إهليلجية.
إيراتوستين الاسكندري (267 – 194 ق.م):
عين مقدار محيط الأرض وبطريقة قريبة من الطريقة الجيوديزية الحديثة، فمن مراقبته لشمس الظهيرة في أطول أيام السنة
لاحظ أنها في أسوان تكون جنوب السمت بمقدار 7.25 درجة عن شمس الاسكندرية في نفس اليوم، ولما كانت المسافة
بين الاسكندرية وأسوان حوالي 500 ميل وأن الدائرة الكاملة قياسها 360 درجة تساوي حوالي 50 مرة الزاوية 7.25
درجة توصل إلى قيمة لمحيط الأرض تبلغ 24500 ميل وهي قريبة جدا ًمن القيمة الحقيقية والتي تبلغ 24840 ميل.
هبارخوس (190 – 120 ق.م):
من أعظم فلكيي اليونان، اعتمد القياسات الدقيقة والرياضيات والمحاكمة العقلية في تحليل المعطيات الفلكية، وهو أول
من تحدث عن مبادرة الاعتدالين نحو الغرب، كما يرجع إليه مفهوم قدر النجم (مقدار لمعانه) والذي صنف وفقه النجوم إلى
مراتب، ولكي يوفق هبارخوس بين أرصاده وفكرة المدارات الدائرية قدم نموذجاً يدعى اليوم بدوائر التدوير Epicycles
والتي استخدمها بطليموس وكل من أتى بعده حتى القرن السادس عشر.
كلوديوس بطليموس (100 – 170م):
صاحب كتاب المجسطي والذي ضمنه أكثر الأعمال الفلكية اليونانية الأولى، وقد أنجز بطليموس منظومة كونية تحتل
الأرض مركزها (رأينا صورتها في الأعلى)، وتدور حولها سبع كرات هي: القمر والشمس والكواكب الخمسة المعروفة
آنذاك " عطارد- الزهرة- المريخ- المشتري- زحل " وكانت كرة الثابتات تحمل النجوم التي تبدو ثابتة المواقع بالنسبة
لبعضها وتتحرك معاً وكأنها جسم واحد، أما ما وراء هذه الكرة فهو غير قابل للرصد من قبل البشر!
وقد تبنت الكنيسة آنذاك هذه الأفكار التي رأت فيها صورة تتفق مع الكتاب المقدس، حيث رصدت مكاناً وراء كرة
الثابتات لتتسع للفردوس وجهنم، ومع تصلب المجتمع والكنيسة في مواجهة كل من يخالف هذه الأفكار التي غدت
معتقدات، توقف علم الفلك عن التقدم، ولم يجرؤ أحد خلال ثلاثة عشر قرناً من طرح مقولات جديدة، حتى جاء
كوبيرنيكوس ومن بعده تيخو براهي وكبلر وغاليليو ومن ثم نيوتن ليبدأ العصر الحديث لا في الفلك فحسب بل في جميع
فروع العلم.
9. في القرن السادس عشر, رجل دين بولندي بدأ بثورة غيرت العالم.
بقي العالم لقرابة 14 قرن قانع بنظام ودوائر تدوير بطليموس، إلى أن جاء نيكولاس كوبيرنيكوس (1473-1543) والذي
لاحظ ببصيرة ومهارة رياضية ورصدية أن تعقيد نظام بطليموس والحاجة لأفلاك التدوير (Epicycle's) يمكن التخلص منه إذا
أجرينا تغييراً بسيطاً فجعلنا الشمس مركز النظام الكوني.. وكان بالحق تغييراً بسيطاً وعظيماً..
مع أن كوبيرنيكوس وقع بذات خطأ بطليموس حينما تشبث بفكرة المدارات الدائرية، فاحتاج مرة أخرى إلى دوائر
التدوير.. ولكنه أزال الكثير من التعقيد وقام بإنجازات مهمة جداً كحساب أبعاد الكواكب عن الشمس و..
نيكولاس كوبيرنيكوس
10. قدم غاليليو، عالم الفلك الإيطالي، براهين أخرى على عيوب نظرية أرسطو، وقدم أدلة على النظرية الجديدة،
وإسهامات كبيرة لعلم الفلك..
في عام 1609 غير غاليليو وجه علم الفلك مرة واحدة وإلى الأبد عندما وجه أول تلسكوب إلى السماء، من علم يعتمد
على العين المجردة وبعض الأدوات البسيطة (كذات الربع وذات السدس ومسطرة زاوية اختلاف المنظر وغيرها من الأدوات
التي استخدمها تيخو براهي في أرصاده) إلى علم رصدي دقيق، ومن خلال منظاره قام غاليليو بأرصاد عدة استنتج
منها ملاحظات ثورية! فقد رأى سطح القمر مليئاً بالحفر والتضاريس، أي أنه ليس أملساً منتظماً كما كان يُظن، الشيء
الذي يُبطل فكرة كمال الأجرام السماوية، وشاهد أقماراً أربعة حول المشتري –وتسمى اليوم الأقمار الغاليليانية: آيو،
أوروبا، غاينيميد، وكاليستو- ورأى فيها تأييداً لنظرية كوبيرنيكوس، كما رصد غاليليو أطوار الزهرة، ورأى انتفاخين
على سطح زحل فافترض أنهما أقمار أيضاً وذلك لأن منظاره لم يكن من القوة ليسمح له بتمييز حلقات زحل الضخمة، وقد
فسر غاليليو العدد الكبير من النقاط المضيئة والمنفصلة التي رصدها في درب التبانة بأنها نجوم بعيدة جداً، و كان أول
من أشار إلى البقع الشمسية..
يقول غاليليو ساخراً من أدعياء مركزية الأرض:
إن من يفضل فكرة تحرك الكون بأسره كي تبقى الأرض ثابتة، لهو أكثر بعداً عن العقل ممن يتسلق قمة قبة ليلقي نظرة
على ضواحي المدينة، ثم يطلب تدوير المنطقة بأسرها كي لا يكلف نفسه عناء تدوير رأسه!!.
ويقول كارل ساغان، حول ذات الفكرة:
بغض النظر عن كم ملك أو بابا أو فيلسوف أو عالم أو شاعر قد أصر على العكس، فقد واصلت الأرض بعناد، خلال تلك
الألفيات، دورنها حول الشمس.
غاليليو غاليليه