السحر الاسود,سحر بابل هاروت وماروت
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

تسخير الجن,تحضير الارواح,تعلم السحر الاسود,تعلم الروحانيات,طلاسم السحر,سحر المحبة,سحر التهييج,سحر الطلاق,سحر الربط,مخطوطات روحانيه,كتب السحر,الكنوز المدفونة,الخواتم الروحانيه,الملوك السبعة,الجلجلوتيه,البرهيتيه
 
الرئيسيةبحـثأحدث الصورالتسجيلدخولاتصل بنا

 

 البحث عن‌ الجهة‌ الشرعيّة‌ في‌ مسألة رؤية الهلال (مباحث رؤية الهلال)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
السيد الحسيني
Admin
Admin
السيد الحسيني


عدد المساهمات : 97
مفيد : 3971
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 30/08/2014

البحث عن‌ الجهة‌ الشرعيّة‌ في‌ مسألة رؤية الهلال (مباحث رؤية الهلال) Empty
مُساهمةموضوع: البحث عن‌ الجهة‌ الشرعيّة‌ في‌ مسألة رؤية الهلال (مباحث رؤية الهلال)   البحث عن‌ الجهة‌ الشرعيّة‌ في‌ مسألة رؤية الهلال (مباحث رؤية الهلال) Emptyالجمعة نوفمبر 06, 2015 12:32 am

البحث عن‌ الجهة‌ الشرعيّة‌ في‌ مسألة رؤية الهلال 

تأليف : محمّد الحسين‌ بن‌ محمّد الصادق‌ الحسينيّ 



أمّا الجهة‌ الشرعيّة‌، فنقول‌: 

إنّ الموضوعات‌ العرفيّة‌ التي‌ هي‌ موضوعات‌ للاحكام‌ الشرعيّة‌، لابدّ وأن‌ يؤخذ معناها ومدي‌ نطاق‌ سعتها وضيقها وإطلاقها وتقييدها وسائر خصوصيّاتها، من‌ العرف‌؛ كالبيع‌ مثلاً.

فإذا قال‌ الشارع‌سبحانه وتعالى : (يَسْـَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ ، و شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي‌´ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْءَانُ، و مَن‌ شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) شهر عند العرف‌.

ونحن‌ نري‌ أنّ العرف‌ كان‌ يسمّي‌ الشهر وابتداءه‌ الذي‌ هو أوّل‌ دخول‌ الليل‌، عند ما وجد الهلال‌ المرئيّ فوق‌ الاُفق‌ ولو بعد ساعات‌ من‌ خروجه‌ عن‌ تحت‌ الشعاع‌.

فبناءً عليه‌، ليلة‌ أوّل‌ رمضان‌ هو أوّل‌ ليلة‌ لم‌ يسبق‌ برمضان‌ ولو بساعة‌ واحدة‌.

مثلاً إذا فرضنا أنّ القمر خرج‌ عن‌ تحت‌ الشعاع‌ ورئي‌ في‌ إسبانيا في‌ مادريد البعيدة‌ عن‌ طهران‌ بثلاث‌ ساعات‌ وأربعين‌ دقيقة‌ غرباً، وقد مضي‌ من‌ الليل‌ بافق‌ طهران‌ هذا المقدار، ومضي‌ من‌ البلاد الشرقيّة‌ بالنسبة‌ إليه‌ كبلاد الصين‌ واليابان‌ أكثر من‌ هذا المقدار جدّاً؛ فهذه‌ الليلة‌ تعدّ من‌ الشهر السابق‌.

وربّما طلع‌ القمر في‌ إسبانيا أوّل‌ دخول‌ ليلهم‌، وقد طلع‌ الفجر في‌ تلك‌ البلاد الشرقيّة‌. فأهل‌ إسبانيا إذا رأوا هلال‌ رمضان‌ يصبحون‌ صائمين‌، وأهل‌ الصين‌ واليابان‌ يصبحون‌ مجوّزين‌ للاءفطار. وهؤلاء إذا رأوا هلال‌ شوّال‌ يصبحون‌ مفطرين‌، وهؤلاء يصبحون‌ صائمين‌.

هذا مضافاً إلي‌ أنّ الشارع‌ في‌ ما اتّفق‌ الفريقان‌ بروايات‌ مستفيضة‌، صرّح‌ بأنّ المدار في‌ دخول‌ الشهر هو الرؤية‌ في‌ الصيام‌ والحجّ والعمرة‌ وقضاء الديون‌ وسائر الاُمور مثل‌ الاحكام‌ والمسنونات‌ المترتّبة‌ علي‌ الشهور كرجب‌ وشعبان‌ والمحرّم‌ وصفر وغيرها؛ فالخروج‌ عن‌ هذا والالتزام‌ بكفاية‌ خروج‌ القمر عن‌ تحت‌ الشعاع‌ في‌ مبدئيّة‌ الشهر و هو آن‌ واحد ولحظة‌ واحدة‌ في‌ جميع‌ العالم‌ يوجب‌ الخروج‌ عن‌ جميع‌ هذه‌ الاحكام‌ البالغة‌ إجمالاً حدّ الضرورة‌ من‌ الدين‌، والالتزامَ بفقه‌ جديد لايشبه‌ شي‌ منه‌ شيئاً من‌ الفقه‌، وقلبَ السنّة‌ ظهراً لبطن‌.


مجعوليّة‌ الرؤية ‌، علي‌ سبيل‌ الموضوعيّة‌ لا الطريقيّة‌ 
هذا مضافاً إلي‌ أنّ الالتزام‌ بكفاية‌ مجرّد خروج‌ القمر عن‌ تحت‌ الشعاع‌، يستلزم‌ العلم‌ بدخول‌ الشهر بسبب‌ العلم‌ بخروج‌ القمر ولو لم‌ تتحقّق‌ في‌ العالم‌ رؤية‌ أبداً، فتصير الرؤية‌ كاشفةً محضةً (مع‌ أنّ الروايات‌ تدلّ علي‌ موضوعيّتها). فإذاً لابدّ من‌ الحكم‌ بدخول‌ الشهر إذا علمنا خروجه‌ بالاءرصاد، و الآلات‌ الحديثة‌ التي‌ رئي‌ بها القمر في‌ ما إذا كانت‌ الرؤية‌ بالعيون‌ العاديّة‌ غير المسلّحة‌ محالاً، أو بحساب‌ المنجّم‌ الماهر الخبير المطّلع‌ من‌ الزيجات‌ الدقيقة‌، فهو يحسب‌ لنا دقيقاً أنّ خروج‌ القمر عن‌ تحت‌ الشعاع‌ إنّما يكون‌ بعد 29 يوماً و12 عةً و44 قةً من‌ الشهر الماضي‌ تقريباً، ويدلّنا علي‌ هذه‌ الشهور واحداً بعد واحد إلي‌ عشرة‌ الآف‌ سنة‌ فنستريح‌ من‌ هذه‌ الضوضاء.

إن‌ قلتَ: إنّ الروايات‌ دلّت‌ علي‌ أنّ للرؤية‌ دخلاً في‌ الجملة‌ في‌ تحقّق‌ الحكم‌، فلا بدّ بعد خروج‌ القمر عن‌ تحت‌ الشعاع‌ من‌ أن‌ يري‌' في‌ ناحية‌ ما حتّي‌ نحكم‌ بدخول‌ الشهر.

قلتُ: إنّا نعلم‌ علماً يقينيّاً أنّ خروج‌ القمر عن‌ تحت‌ الشعاع‌ في‌ أيّة‌ نقطة‌ من‌ نقاط‌ العالم‌ تحقّق‌، يراه‌ خلق‌ كثير من‌ أهالي‌ تلك‌ النواحي‌، فالرؤية‌ قد تحقّقت‌؛ ورؤيتنا علي‌ حسب‌ المدّعي‌ غير لازمة‌، فالشهر داخل‌ بلا رؤية‌ منّا في‌ آفاقنا القريبة‌، فتصير إناطة‌ الروايات‌ بالرؤية‌ لغواً لانّ الرؤية‌ الاءجماليّة‌ علي‌ أيّ حال‌ موجودة‌.

إن‌ قلتَ: لايمكن‌ الالتزام‌ بذلك‌؛ لانّ ظاهر الاخبار هو الرؤية‌ الحاصلة‌ منّا أو الواصل‌ خبرها إلينا، فهي‌ الدخيلة‌.

قلتُ: فإذاً لا مناص‌ من‌ رفع‌ اليد عن‌ الحكم‌ بدخول‌ الشهر بمجرّد الخروج‌ عن‌ تحت‌ الشعاع‌ مع‌ رؤية‌ ما. 

وهذه‌ التوالي‌ التي‌ أشرنا إلي‌ بعضها لاتكاد تخفي‌ علي‌ المتأمّل‌ في‌ حاقّ المسألة‌. ولذلك‌ لم‌ يذهب‌ أحد من‌ العلماء إلي‌ هذا؛ والذين‌ ذهبوا إلي‌ عدم‌ لزوم‌ الاشتراك‌ في‌ الآفاق‌ ذهبوا إلي‌ أنّ خروج‌ القمر عن‌ تحت‌ الشعاع‌ ورؤيته‌ ولو بعد ساعات‌ من‌ الليل‌ في‌ أُفق‌ ما دخيل‌ في‌ جعل‌ الليل‌ من‌ أوّله‌ من‌ الشهر الجديد بنحو الشرط‌ المتأخّر. وسيأتي‌ الكلام‌ في‌ عدم‌ نهوض‌ أدلّتهم‌ علي‌ هذا المرام‌ أيضاً.

فإن‌ قيل‌: إذا خرج‌ القمر عن‌ تحت‌ الشعاع‌ ورئي‌ في‌ بلد ما، نحكم‌ بدخول‌ الشهر في‌ جميع‌ البلاد مبتدأً بالليل‌، ونلتزم‌ بأنّ الساعات‌ السابقة‌ عن‌ خروج‌ القمر تحسب‌ من‌ ذلك‌ الشهر.

مثلاً إذا خرج‌ ورئي‌ في‌ إسبانيا في‌ مادريد ليلة‌ العيد، نحكم‌ بأنّ تلك‌ الليلة‌ التي‌ مضي‌ منها في‌ طهران‌ قدر ثلاث‌ ساعات‌ وأربعين‌ دقيقةً، كلّها ليلة‌ الفطر. وهكذا في‌ جميع‌ البلاد إلي‌ الصين‌ واليابان‌ نحكم‌ بأنّ جميع‌ الليلة‌ يحسب‌ من‌ الفطر، وإن‌ مضي‌ من‌ بعضها قدر تسع‌ أو عشر ساعات‌.

قلنا: أوّلاً إنّه‌ دعوي‌ بلا دليل‌.

وثانياً، إذا التُزم‌ بأنّ مناط‌ دخول‌ الشهر القمريّ هو نفس‌ خروج‌ القمر عن‌ تحت‌ الشعاع‌ وهو أمر واحد سماويّ في‌ جميع‌ العالم‌ لا ربط‌ له‌ بالارض‌ و مشارقها ومغاربها (و هذا عمدة‌ الدليل‌ الذي‌ ربّما يُتمسّك‌ به‌ مع‌ الاءطلاقات‌ علي‌ عدم‌ لزوم‌ الاشتراك‌ في‌ الآفاق‌ وكفاية‌ رؤيةٍ ما في‌ بلد ما لجميع‌ العالم‌) فإذاً إنّ ذلك‌ مناف‌ للدليل‌ وخروج‌ عن‌ البناء الذي‌ بُني‌، وهَدمٌ لاساسه‌ من‌ رأس‌. 

ثمّ إنّه‌ إذا خرج‌ القمر عن‌ تحت‌ الشعاع‌ [ وفرضنا بلداً واقعاً ] في‌ النصف‌ الآخر من‌ كرة‌ الارض‌ في‌ أوّل‌ نهاره‌ أو وسطه‌ أو آخره‌، فكيف‌ يمكن‌ الحكم‌ بأنّ هذه‌ المدّة‌ الطويلة‌ من‌ أوّل‌ الليل‌ إلي‌ هذا الحدّ من‌ الزمان‌ تكون‌ من‌ الشهر اللاحق‌.

التفصيل‌ بين‌ البلاد الواقعة‌ فوق‌ الارض‌ والواقعة‌ تحتها، لا يدفع‌ الاشكال‌ 

ومن‌ هذا يعلم‌ أنّ دفع‌ الاءشكال‌ بأنّ عدم‌ لزوم‌ الاشتراك‌ في‌ الآفاق‌ إنّما هو في‌ فوق‌ الارض‌ دون‌ تحتها، لا يدفع‌ المحذور أبداً بل‌ يزيد في‌ الاءشكال‌.

فنسأل‌ أوّلاً: إذا حكم‌ بأنّ المناط‌ هو نفس‌ الخروج‌، وهو أمر وحدانيّ لايتغيّر بحركة‌ الارض‌ والمشارق‌ والمغارب‌؛ فكيف‌ الفرق‌ بين‌ فوق‌ الارض‌ وتحتها ؟ فهل‌ هذا إلاّ هدم‌ لاساس‌ الدليل‌ ؟ 

وثانياً: أيّ مزيّة‌ في‌ جعلنا هذا الحكم‌ لفوق‌ الارض‌ دون‌ تحتها، بل‌ نجعله‌ لتحت‌ الارض‌ دون‌ فوقها؛ ومعلوم‌ أنّ الفوقيّة‌ والتحتيّة‌ أمران‌ إضافيّان‌ لايلتزم‌ بأحدهما دون‌ الآخر إلاّ بالدليل‌.

ثمّ أين‌ مبدأ تمييز البلاد التي‌ تكون‌ فوق‌ الارض‌ دون‌ تحتها، وأيّ بلد من‌ البلاد هوالبلد الذي‌ جعل‌ مبدأً للحكم‌ ؟

إذا جعلنا هذا البلد مثل‌ الصين‌ واليابان‌، فجميع‌ قارّة‌ آسية‌ وأُروبة‌ وإفريقيّة‌ يكون‌ مشمولاً للحكم‌؛ وأمّا إذا جعلناه‌ مثل‌ إيران‌ والعراق‌، فجميع‌ الممالك‌ الغربيّة‌ وبعض‌ الممالك‌ الامريكيّة‌ يكون‌ مشمولاً له‌؛ وإذا جعلناه‌ مثل‌ إسبانيا والبرتغال‌، فجميع‌ الممالك‌ الامريكيّة‌ يكون‌ مشمولاً له‌.

هذا إذا أُريد ترتّب‌ الحكم‌ علي‌ عنوان‌ الفوقيّة‌، وأمّا إذا أُريد ترتّبه‌ علي‌ النواحي‌ القريبة‌ التي‌ يكون‌ اختلافها بالنسبة‌ إلي‌ محلّ الرؤية‌ ستّ ساعات‌ مثلاً دون‌ البعيدة‌ الواقعة‌ تحت‌ الارض‌ التي‌ يكون‌ اختلافها اثنتي‌ عشرة‌ ساعةً أو أكثر، ففيه‌: 

أيّ مناط‌ خارجيّ في‌ تعيين‌ محلّ القرب‌ والبعد؛ وأيّ دليل‌ شرعيّ لهذا الفرق‌ ؟ والاءطلاقات‌ إن‌ يؤخذ بها فلا مجال‌ فيها لهذا التفصيل‌، وإن‌ لم‌ يؤخذ بها فانصرافها إلي‌ البلاد التي‌ يكون‌ الهلال‌ فوق‌ أُفقها والمانع‌ من‌ رؤيته‌ أمر عارضيّ من‌ سحب‌ أو غيوم‌ المعبّر عنها بالبلاد المتّحدة‌ الآفاق‌، هو المتعيّن‌.

وإذا أُريد أنّ الاءطلاقات‌ منصرفة‌ إلي‌ النواحي‌ المعمورة‌ من‌ الارض‌، وحيث‌ إنّ تحتها لم‌ يكن‌ معموراً في‌ ذلك‌ الزمان‌ لا يكون‌ الحكم‌ شاملاً له‌؛ ففيه‌: هلاّ يُلتزم‌ هذا في‌ الصلاة‌ والصوم‌ والحجّ وغيرها من‌ الاحكام‌، والتُزم‌ باختصاصه‌ بالنسبة‌ إلي‌ رؤية‌ الهلال‌ ومطالع‌ القمر ؟

مع‌ أنّ سياق‌ جميع‌ إطلاقات‌ الاحكام‌ الواردة‌، من‌ هذه‌ الجهة‌ علي‌ نسق‌ واحد.

والحقّ عدم‌ الفرق‌ في‌ المعمورة‌ وغيرها. لانـّه‌ مضافاً إلي‌ أنّ القدر المتيقّن‌ في‌ الخارج‌ أو في‌ مقام‌ التخاطب‌ لا يوجب‌ الانصراف‌؛ تدفعه‌ العمومات‌ المنصوصة‌ مثل‌ قوله‌ تعالي‌: وَ مَآ أَرْسَلْنَـ'كَ إِلاَّ كَآفَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَ نَذِيرًا ، وقوله‌ تعالي‌Sad وَ مَآ أَرْسَلْنَـكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَـلَمِينَ )
وقوله‌ عليه‌ السلام‌: إنَّ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَي‌ حُكْمًا يَشْتَرِكُ فِيهِ الْعَالِمُ وَالْجَاهِلُ؛ بلا فرق‌ بين‌ أهالي‌ الاراضي‌ المعمورة‌ وغيرهم‌ من‌ حيث‌ الشمول‌ والاءطلاق‌ والتقييد وسائر الجهات‌.


فهذه‌ أُمور كلّما دقّق‌ فيها النظر، تزيد في‌ الاءشكال‌ والغموض‌؛ فرفعها لايمكن‌ إلاّ برفع‌ اليد عن‌ الحكم‌ المبحوث‌ عنه‌، وهو أتقن‌ وأسهل‌.
سبب‌ المسألة هو موضوعيّة‌ الرؤية‌ ومدخليّة‌ البقاع‌ فيها 

وممّا ذكرنا تبيّن‌ أنّ ذهاب‌ المشهور إلي‌ لزوم‌ الاشتراك‌ في‌ البلدان‌ مبنيّ علي‌ دخالة‌ رؤية‌ القمر في‌ دخول‌ الشهر، وأنّ للمطالع‌ والمغارب‌ بالنسبة‌ إلي‌ القمر دخلاً في‌ دخول‌ شهر وخروج‌ شهر، وعدمِ كفاية‌ نفس‌ خروج‌ القمر عن‌ تحت‌ الشعاع‌ في‌ هذا الامر؛ لا علي‌ تخيّل‌ ارتباط‌ خروج‌ القمر عن‌ تحت‌ الشعاع‌ ببقاع‌ الارض‌ كارتباط‌ طلوع‌ الشمس‌ وغروبها بها.

فإنّ من‌ الواضح‌ أنّ نفس‌ الخروج‌ لاصلة‌ لها ببقاع‌ الارض‌ مع‌ غمض‌ النظر عن‌ المحاذاة‌، ولكنّ الرؤية‌ بعد الخروج‌ الدخيلة‌ في‌ تكوين‌ الشهر القمريّ بما لها من‌ الاحكام‌، لها صلة‌ ببقاع‌ الارض‌.

لانّ حالة‌ القمر، مع‌ وجود النواحي‌ الكثيرة‌ المختلفة‌ الاوضاع‌ في‌ الارض‌ وعدمها، وإن‌ كانت‌ سواء ولكنّ حالة‌ رؤية‌ القمر التي‌ هي‌ الاُسّ لم‌ تكن‌ مع‌ هذه‌ وعدمها سواء.

وهذه‌ علّة‌ ذهاب‌ المشهور إلي‌ فتواهم‌.


استدلال‌ القائلين‌ بعدم‌ لزوم‌ الاشتراك‌ مبني‌ّ علي‌ منع‌ اختلاف‌ المطالع‌ 

ولذلك‌ تري‌ أنّ من‌ استشكل‌ علي‌ لزوم‌ الاشتراك‌ في‌ الآفاق‌، لم‌ يستدلّ بعدم‌ ارتباط‌ هذه‌ الحادثة‌ السماويّة‌ ببقاع‌ الارض‌؛ بل‌ كما ذهب‌ إليه‌ العلاّمة‌ في‌ أوّل‌ كلامه‌ في‌ «المنتهي‌»، وكما في‌ «الجواهر»ـ بمنع‌ اختلاف‌ المطالع‌ في‌ الربع‌ المسكون‌؛ إمّا لعدم‌ كرويّة‌ الارض‌ بل‌ هي‌ مسطّحةً فلا تختلف‌ المطالع‌ حينئذٍ، وإمّا لكونه‌ قدراً يسيراً فلا اعتداد باختلافه‌ بالنسبة‌ إلي‌ علوّ السماء.

كما أنّ صاحب‌ «الحدائق‌» الذي‌ أصرّ علي‌ عدم‌ لزوم‌ الاشتراك‌ إصراراً لم‌ نر مثله‌ لاحد في‌ هذه‌ المسألة‌، بني‌ لزوم‌ الاشتراك‌ في‌ الآفاق‌ علي‌ كرويّة‌ الارض‌؛ لكنّه‌ حيث‌ أبطل‌ كرويّتها واستدلّ علي‌ تسطيحها بالادلّة‌ السمعيّة‌ والاخبار النبويّة‌ ولوازم‌ كلّها بعيدة‌ عن‌ المقام‌، التزم‌ بعدم‌ لزوم‌ الاشتراك‌ في‌ الآفاق‌.

وكما قال‌ الشيخ‌ المحقّق‌ فخر الدين‌ في‌ شرحه‌ علي‌ «القواعد»:

«ومبني‌ هذه‌ المسألة‌، علي‌ أنّ الارض‌ هل‌ هي‌ كرويّة‌ أو مسطّحة‌؛ والاقرب‌ الاوّل‌، لانّ الكواكب‌ تطلع‌ في‌ المساكن‌ الشرقيّة‌ قبل‌ طلوعها في‌ المساكن‌ الغربيّة‌، وكذا في‌ الغروب‌.

وكلّ بلد غربيّ بَعُد عن‌ الشرقيّ بألف‌ ميل‌، يتأخّر غروبه‌ عن‌ غروب‌ الشرقيّ ساعةً واحدةً. وإنّما عرفنا ذلك‌ بإرصاد الكسوفات‌ القمريّة‌؛ حيث‌ ابتدأت‌ في‌ ساعات‌ أقلّ من‌ ساعات‌ بلدنا في‌ المساكن‌ الغربيّة‌، وأكثر من‌ ساعات‌ بلدنا في‌ المساكن‌ الشرقيّة‌، فعرفنا أنّ غروب‌ الشمس‌ في‌ المساكن‌ الشرقيّة‌ قبل‌ غروبها في‌ بلدنا، وغروبها في‌ المساكن‌ الغربيّة‌ بعد غروبها في‌ بلدنا؛ ولو كانت‌ الارض‌ مسطّحةً لكان‌ الطلوع‌ والغروب‌ في‌ جميع‌ المواضع‌ في‌ وقت‌ واحد.

ولانّ السائر علي‌ خطّ من‌ خطوط‌ نصف‌ النهار إلي‌ الجانب‌ الشماليّ، يزداد عليه‌ ارتفاع‌ الشماليّ وانخفاض‌ الجنوبيّ، وبالعكس‌. » انتهي‌.
(أي‌ ارتفاع‌ الكوكب‌ الشماليّ وانخفاض‌ الكوكب‌ الجنوبيّ.)

وبالجملة‌ إنّ كرويّة‌ الارض‌ لمّا أصبحت‌ في‌ هذا العصر من‌ الاُمور البديهيّة‌ الواضحة‌ بما استدلّ عليه‌ هذا الشيخ‌ المحقّق‌ ونظائره‌ من‌ المحقّقين‌، وباستعمال‌ الآلات‌ الحديثة‌، وبأنّ السائر من‌ أيّة‌ نقطة‌ من‌ نقاط‌ الارض‌ علي‌ الخطّ المستقيم‌ إذا سار إلي‌ المشرق‌ ينتهي‌ إلي‌ نفس‌ النقطة‌ من‌ طرف‌ المغرب‌ وبالعكس‌، وكذا بسائر الادلّة‌ التي‌ ذُكر بعضها في‌ مقدّمة‌ تفسير «البيان‌» علي‌ مؤلّفه‌ التحيّة‌ والاءكرام‌؛ لم‌ يكن‌ مجال‌ لاحتمال‌ عدم‌ لزوم‌ الاشتراك‌ في‌ الآفاق‌، والذهاب‌ إلي‌ القول‌ بكفاية‌ رؤية‌ ما في‌ الحكم‌ بثبوت‌ الشهر في‌ جميع‌ العالم‌.

هذا الموضوع منذ مدة، وكتبت فيه مقالا ورأيت أن أشارك به الاخوان هنا فأقول متكلما بلسان المالكية عن حكم اثبات شهر رمضان بقول اهل الفلك والتنجيم والرؤية البصرية المجردة:

لا يثبت دخول شهر رمضان بقول الفلكيين عند علمائنا المالكية، لا في حق أنفسهم ولا في حق الآخرين، لأنّ الشارع أناط الصوم والفطر والحج برؤية الهلال البصرية [ أي بالعين المجردة ] لابالعلم بوجوده في الأفق، وهذا هو المشهور من مذهب مالك (رحمه الله).

قال ابن يونس: "لا ينظر في الهلال إلى قول المنجمين لأن الشرع قصر ذلك على الرؤية أو الشهادة أو إكمال العدة فلم يجز إثبات زيادة عليه".اهـ

وقال ابن الحاجب: ولا يلتفت إلى حساب المنجمين اتفاقا، وإن ركن إليه بعض البغداديين. قال في التوضيح: قوله: وإن ركن إليه بعض البغداديين، يشير به إلى ما روي عن ابن سريج وغيره من الشافعية، وهو مذهب مطرف بن عبد الله بن الشخير من كبار التابعين ابن بزيزة، وهي رواية شاذة في المذهب، رواها بعض البغداديين عن مالك، انتهى.

قلت: هذا هو الذي يوافق الأحاديث النبوية الثابتة التي علقت الصوم برؤية الهلال البصرية لا بالعلم بأنه موجود في الأفق دون إمكان الرؤية البصرية.

فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:
«صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غبي عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين».
صحيح البخاري رقم الحديث (1909) (ج3/ص27) وأخرجه مسلم برقم (1081) ج ص (2/ 762) بلفظ:
«إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غم عليكم فصوموا ثلاثين يوما».
وأخرجه النسائي برقم (2138) ج ص (4/ 139) وزاد "الشهر يكون تسعة وعشرين ويكون ثلاثين"
وأخرجه الامام أحمد في مسنده عن أبي هريرة برقم (9885) ج ص (15/ 546) بلفظ «لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروا الهلال» ...

أقوال شراح الحديث:

قال ابن رجب الحنبلي: ثم قال: [أي النبي صلى الله عليه وسلم] ((صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فأكملوا العدة)) .
فتبين أن ديننا لا يحتاج إلى حساب ولا كتاب، كما يفعله أهل الكتاب من ضبط عباداتهم بمسير الشمس وحسباناتها، وأن ديننا في ميقات الصيام معلق بما يرى بالبصر وهو رؤية الهلال، فإن غم أكملنا عدة الشهر ولم نحتج إلى حساب. اهـ
(فتح الباري (3/ 67).

وقال العيني في عمدة القاري (10/ 281)
"وحاصله أن الاعتبار بالهلال فقد يكون تاما ثلاثين، وقد يكون ناقصا تسعا وعشرين، وقد لا يرى الهلال فيجب إكمال العدد ثلاثين".اهـ

وقد رد القاري على الذين أولوا "فاقدروا له" بالحساب الفلكي، فقال:
قال ابن سريج: " فاقدروا " خطاب من خصه الله بهذا العلم، وقوله: " فأكملوا العدة " خطاب للعامة اهـ وهو مردود لحديث " «إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب» "، فإنه يدل على أن معرفة الشهر ليست إلى الكتاب والحساب كما يزعمه أهل النجوم، وللإجماع على عدم الاعتداد بقول المنجمين ولو اتفقوا على أنه يرى، ولقوله - تعالى - مخاطبا خير أمة أخرجت للناس خطابا عاما {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} [البقرة: 185] ولقوله - صلى الله عليه وسلم بالخطاب العام " «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته» " ولما في نفس هذا الحديث: " «لا تصوموا حتى تروه» " ولما في حديث أبي داود والترمذي عن أبي هريرة أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: " «الصوم يوم يصومون والفطر يوم يفطرون» " بل أقول: لو صام المنجم عن رمضان قبل رؤيته بناء على معرفته يكون عاصيا في صومه، إلا إذا ثبت الهلال على خلاف فيه، ولو جعل عيد الفطر بناء على زعمه الفاسد يكون فاسقا، وتجب عليه الكفارة في قول وهو الصحيح، وإن استحل إفطاره فرضا عن عده واجبا صار كافرا".اهـ من (مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (4/ 1372).


وقال أيضا في فيض القدير (4/ 214)
"ومن قوله في خبر آخر فاقدروا بأنه يجوز الصوم بحساب النجوم للمنجم قال: فاقدروا للخواص وأكملوا للعوام لأن القمر يعرف وقوعه بعد الشمس بالحساب ورد بالمنع لأن الشرع علق الحكم بالرؤية"اهـ

وقال السندي في حاشيته على سنن ابن ماجه (1/ 508)
"(فاقدروا) بضم الدال وجوز كسرها أي قدروا له تمام العدد ثلاثين وقد جاءت به الرواية فلا التفات إلى تفسير آخر".اهـ

قال المباركفوري: 
قال النووي: عدم البناء على حساب المنجمين لأنه حدس وتخمين وإنما يعتبر منه ما يعرف به القبلة والوقت - انتهى. قلت: ويرد هذا القول حديث ابن عمر الآتي إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب وقوله - صلى الله عليه وسلم - بالخطاب العام صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته وقوله في نفس الحديث لا تصوموا حتى تروه.اهـ 
(مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (6/ 431)

قال ابن بطال: 
"ذهب كافة الفقهاء إلى أن معنى قوله عليه السلام: (فاقدروا له) ، مجمل يفسره قوله: (فأكملوا العدة ثلاثين يومًا) ، ولذلك جعل مالك فى الموطأ (فأكملوا العدة ثلاثين يومًا) ، بعد قوله: (فاقدروا له) ، كما صنع البخارى، لأنه مفسر ومبين لمعنى قوله: (فاقدروا له) ، وحكى محمد بن سيرين أن بعض التابعين كان يذهب فى معنى قوله عليه السلام: (فاقدروا له) ، إلى اعتباره بالنجوم، ومنازل القمر، وطريق الحساب، ويقال: إنه مطرف بن الشخير. وقوله عليه السلام: (فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين يومًا) ، نص فى أنه عليه السلام لم يرد اعتبار ذلك بالنجوم والمنازل، لأنه لو كلف ذلك أمته لشق عليه، لأنه لا يعرف النجوم والمنازل إلا قليل من الناس، ولم يجعل الله تعالى فى الدين من حرج".اهـ
(شرح صحيح البخارى (4/ 27).

قال أبو عمرابن عبد البر: 
"الذي عندنا في كتبه أنه لا يصح اعتقاد رمضان إلا برؤية فاشية أو شهادة عادلة أو إكمال شعبان ثلاثين يوما لقوله صلى الله عليه وسلم صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين
وعلى هذا مذهب جمهور فقهاء الأمصار بالحجاز والعراق والشام والمغرب منهم مالك والشافعي والأوزاعي وأبو حنيفة وأصحابه وعامة أهل الحديث إلا أحمد بن حنبل ومن قال منهم بقوله".اهـ (الاستذكار (3/ 278) ومثل هذا في التمهيد أيضا.

وقال الباجي: 
"(فاقدروا له) يريد قدروا للشهر وتقديره إتمام الشهر الذي أنت فيه ثلاثين؛ لأن الشهر إنما يكون تسعة وعشرين يوما بالرؤية فأما بالتقدير فلا يكون إلا ثلاثين.
وقد فسر ذلك في حديث أبي هريرة «فقال - صلى الله عليه وسلم - فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين» وفي حديث ربعي بن حراش «لا تصوموا حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة» وذكر الداودي أنه قيل في معنى قوله فاقدروا له أي قدروا المنازل وهذا لا نعلم أحدا قال به إلا بعض أصحاب الشافعي أنه يعتبر في ذلك بقول المنجمين والإجماع حجة عليه".اهـ المنتقى شرح الموطإ (2/ 38).

وقال النووي: 
"قال المازري: حمل جمهور الفقهاء قوله صلى الله عليه وسلم فاقدروا له على أن المراد اكمال العدة ثلاثين كما فسره في حديث آخر قالوا ولا يجوز أن يكون المراد حساب المنجمين لأن الناس لو كلفوا به ضاق عليهم لأنه لا يعرفه إلا أفراد والشرع إنما يعرف الناس بما يعرفه جماهيرهم ".اهـ (شرح النووي على مسلم (7/ 186).

وقال السيوطي: 
"فاقدروا له بالوصل وضم الدال وكسرها يعني حققوا مقادير أيام شعبان حتى تكملوه ثلاثين يوما كما جاء في الرواية الأخرى".اهـ 
(حاشية السيوطي على سنن النسائي (4/ 130)

وقال الامام الزرقاني: 
"(فاقدروا له) بهمزة وصل وضم الدال تأكيد لقوله: " «لا تصوموا حتى تروا الهلال» " إذ المقصود حاصل به، وقد أورثت هذه الزيادة المؤكدة عند المخالف شبهة بحسب تفسيره لقوله: فاقدروا له، فقال الأئمة الثلاثة والجمهور: معناه قدروا له تمام العدد ثلاثين يوما، يقال: قدرت الشيء وأقدرته وقدرته بمعنى التقدير؛ أي: انظروا في أول الشهر واحسبوا ثلاثين يوما كما جاء مفسرا في الحديث اللاحق، ولذا أتى به الإمام للإشارة إلى أنه مفسر، ولذا لم يجتمعا في رواية بل تارة يذكر هذا، وتارة يذكر هذا".اهـ (شرح الزرقاني على الموطأ (2/ 226)

وقال الصنعاني:
"قوله: " فاقدروا له " هو أمر همزته همزة وصل وتكسر الدال وتضم، وقيل: الضم خطأ، وفسر المراد به قوله: " فاقدروا له " ثلاثين وأكملوا العدة ثلاثين، والمعنى أفطروا يوم الثلاثين واحسبوا تمام الشهر وهذا أحسن تفاسيره وفيه تفاسير أخر نقلها الشارح خارجة عن ظاهر المراد من الحديث قال ابن بطال: في الحديث دفع لمراعاة المنجمين، وإنما المعول عليه رؤية الأهلة وقد نهينا عن التكلف، وقد قال الباجي في الرد على من قال: إنه يجوز للحاسب والمنجم وغيرهما الصوم والإفطار اعتمادا على النجوم: إن إجماع السلف حجة عليه". (سبل السلام (1/ 559)

قلت: إذا تبين لك هذا فاعلم أن ما يذهب إليه البعض من الإعتماد على الأرصاد الفلكية مردود باطل، لأن الأحاديث صريحة في أن المراد الرؤية البصرية بالعين المجردة، ويدل على ذلك أن السلف لم يكونوا ممن يتقنون علم الفلك، ولا كانوا يعتمدون عليه في الحسابات، ولا كانت عندهم آلاته كما هو الشأن الآن، وقد رأيت أن جمهور أهل العلم يبطلون قول من يجوز إثبات شهر رمضان بالحسابات الفلكية، بل بعضهم حكى الاجماع على بطلان من يقول بذلك، والعجيب أن بعضهم يدعون انهم اتباع السلف، ويقولون: مالم يفعله السلف في الدين لا نفعله، ثم تراهم يثبتون الهلال بما لم يثبته به السلف، ويعتمدون على الحسابات الفلكية، وهذا ظاهر في بعض أهل المشرق، والدليل على أنهم يعتمدون على الحسابات الفلكية، لا الرؤية البصرية، ما قاله العلامة الفقيه الفلكي سيدي صالح بن عبد الله الإلغي السوسي –حفظه الله- في شرح المقنع في علم الفلك قال ما نصه:

"قال الفلكيون: لا يمكن أن يستهل الهلال في يوم من المشرق كالحجاز، دون أن يرى في المغرب في ذلك اليوم، بل العكس هو الممكن، ذلك أن غروب الحجاز يسبق غروب المغرب بثلاث ساعات، فالوقت الذي ذكر أنه مرئي فيه بالحجاز يوافق وقت العصر في المغرب أو ما بعيده أو قبيله بقليل.
ومعلوم أنه يسير دائما إلى المشرق بسيره الذاتي، فيلزم أن يبعد عن الشمس عند غروبنا أكثر من بعده عنها وقت العصر عندنا، الذي هو غروب شمس الحجاز.
وأيضا: إذا صح أن الهلال فوق الشمس وشرقيا عند عصرنا ولم يحل بيننا وبين رؤيته إلا قوة الشعاع، فلِمَ لم نره عند غروب الشمس بعد ذهاب ذلك الشعاع ؟! 
ولا يمكن أن يقال أنه رجع بعد العصر إلى الوراء، فيجاوز الشمس ذاهبا إلى غروبها، أو يصاحبها، إذ لم يكن من النجوم الخنّس التي ترجع إلى الوراء، إذ هي خمسة فقط، على أنه إذا خنس لا يمكن أن يخنس بهذا المقدار في ثلاث ساعات، بل اللازم مما تقدم أن يكون ظهوره عند غروبنا أتم وأبهر، لأنه كثر بعده عن الشمس إلى الشرق في هذه الساعات، ولذلك قالوا: يمكن أن يختفي في الحجاز لأنه لم يخرج من الشعاع، ويرى في المغرب لخروجه من الشعاع بسيره في هذه المدة إلى المشرق، وكذلك طلوعه صبيحة الثامن والعشرين يمكن أن يكون بينه وبين الشمس اثنتا عشرة درجة فأكثر، فيرى طالعا في الحجاز، ولا يرى في المغرب لأنه إذا رُئي قبيل أن يدخل في الشعاع، - وهو كما قلنا يسير إلى الشرق - فلا تمضي تلك الساعات الثلاث إلا وقد دخل في الشعاع، فكان بينهما أقل من الاثنتي عشرة [درجة] ، فلم تمكن لنا رؤيته في المغرب، فيكون ذلك الشهركاملا بالنسبة لهم، لأنه طلع عندهم في الثامن والعشرين، وناقصا بالنسبة لنا في المغرب، لأنه لم يطلع عندنا صبيحة الثامن والعشرين، وقد قال الناظم هنا:

والشهر كامل إذا ما طلع ... في كح ... (أي 28) والله أعلم.

قالوا: لا يرى الهلال إلا إذا بعد عن الشمس باثنتي عشرة درجة فأكثر، فإذا كان بينهما عند أهل المشرق إحدى عشرة درجة أو أقل، فلا تمكن لهم رؤيته، ويمكن أن يرى ذلك اليوم لأهل المغرب إذا زاد عند مغربهم ولو درجة، ويرى في اليوم الثاني لأهل المشرق كبيرا جدا يظنون أنه لليلتين، وليس الامر كذلك 

وقال العلامة المحقق الفلكي المدقق سيدي محمد بن عبد الرزاق المغربي في تقرير له حول رمضان وشوال وذي الحجة لعام : 1403 هـ ما نصه:

"يتضح أن الدول الإسلامية لو وحدت خطتها في إثبات أوائل الشهور القمرية، بأن لا تعتمد إلا على الرؤية البصرية المحققة، التي لا شك فيها، ولا وهم، ولا خيال، لكان الغالب عليها الإتفاق في أوائل الشهور، وحتى إذا وقع اختلاف لأجل اختلاف المطالع، فلا يتجاوز يوما، ويتقدم بذلك اليوم من كان غربيا، لا من كان شرقيا، لما علم بالضرورة من أن الهلال إذا رُئي في البلاد الشرقية رؤية محققة، لزم رؤيته في البلاد الغربية، أتم ظهورا، وأضوأ نورا، وأنه إذا كان تحت شعاع الشمس وقت غروب البلاد الشرقية، فمن الممكن أن يخرج من شعاعها وقت غروب البلاد الغربية، فيرى فيها ولا يرى في الشرقية إلا في الغد، وهذا شيء بديهيّ كما قال القرافي وغيره، ولْيراجع الملتمس الذي قدمناه لجلالة الملك الحسن الثاني ولجلالة الملك فيصل السعودي، ففيه ما يشفي ويكفي في هذا الموضوع، والله الموفق". اهـ 

وقد نظم العلامة الفقيه الفلكي سيدي صالح الإلغي السوسي أبيات من بحر الطويل تشير إلى الملتمس الذي قدمه سيدي محمد بن عبد الرزاق لجلالة الملك الحسن الثاني ولجلالة الملك فيصل السعودي فقال:

ولاح يلوم في التخلف عن قوم ... يحثهمُ شوق ودمعهم يهمي

يحجون في أم القرى البيت والصفا ... ويغتنمون الطهر من درن الاثم

فأبديت عذرا في التخلف عنهمُ ... وقلت: أُرجِّي أن يكف عن اللوم

يزهدني في الحج أن وقوفه ... يخالف وقته بيومين أو يوم

وأن الذي يأتي به في زمانه ... يصد ولو جرّ الذيول على النجم

ولم يك ذا الداء العضال لعصرنا ... وليدا ولكن شاع في سابقي القوم

وقد كان بعض من ذوي العلم يشتكي ... إلى من هنا ومن ورا الأحمر اليمِّ

فأنهى لحضرة الملكين فيصل ... مع الحسن الثاني الشهيرين بالحزم

وقال أميطا بارك الله فيكما ... عن الوجه وجه الدين ما فيه من وصم

وردّا إلى اليوم المحقق بالرؤى ... وقوف ضيوف الله في البلد المحمي

وذودا بما آتاكما الله من قوىً ... وكونا لدين الله أفضل من يحمي

فإن تَنصرا الدين الحنيفي تُنصرا ... وتستوجبا بالنصر غنما على غنم

فأدى بما أبدى حقوقا تراكمت ... على كل ذي علم وذي غيرة قرم

وفك بهذا الفعل أوثق عقدة ... وكان الذي إن يرمِ صيد العلى يُصم

وكان بهذا الفعل من خير أمة ... بدت للورى بالأمر والنهي عن ضيم

وقام بحق العلم لا عالم يني ... وهمته أن يُتبع القضْم بالخضم

جزى الله هذا الشهم أحسن ما جزى ... به مخلصا في الفعل والقول والأمّ

وإن دام أمر الحج للناس هكذا ... فمن ذا يؤديه على وصفه الحتم

وأحسن من ذا الحج إحراز عمرة ... ولا سيما ما كان في زمن الصوم

وتتبعها بحسن شوق ونية ... زيارة قبر المصطفى من أولي العزم

عليه صلاة الله ما قام عالم ... بواجبه الديني في الحرب والسلم.

وقال أيضا: " فبهذا نعلم قطعا أنهم [ أي أهل الحجاز] لا يبنون شهورهم على الرؤية [أي البصرية] ... ومن تأمل ما سقناه يظهر له جليا ما قاله الدكتورمحمد بن عبد الكريم الجزائري في الصفحة 31 من كتابه: (الحكم الشرعي لرؤية الهلال بالابصار وابطال نظرية الحساب الفلكي) ... ونصه:
"كل من يمعن النظر في نصوص الأحاديث المثبتة اعلاه، لا يرتاب في أن من أعرض عن الرؤية – عند إمكانها – فقد حاد عن الشريعة الإسلامية واقترف ذنبا عظيما وإثما كبيرا ... وقال أيضا في ملحق ذلك الكتاب ص 147:
وقال أبو الوليد الباجي: وقد روى ابن نافع عن الامام مالك في السلطان الذي لا يصوم لرؤية الهلال ولا يفطر لرؤيته، وإنما يصوم ويفطر على الحساب، أنه لا يقتدى به ولا يتبع .
ثم عقب الباجي بقوله: فإن فعل ذلك أحد، فالذي عندي لا يعتد بما صام منه على الحساب، ويرجع إلى الرؤية وإكمال العدد، فإن اقتضى ذلك قضاء شيء قضاه". اهـ

هذا ما وقفت عليه من كلامهم في هذه المسألة باختصار شديد، والله أعلم، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
البحث عن‌ الجهة‌ الشرعيّة‌ في‌ مسألة رؤية الهلال (مباحث رؤية الهلال)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الرؤية.... ووجود الهلال (مباحث مسألة رؤية الهلال )
» سبب‌ تعيين‌ مبدأ فرضي‌ّ للزمان‌ (مباحث مسألة رؤية الهلال )
» مباحث رؤية الهلال
» مبدئيّة‌ خروج‌ القمر عن‌ تحت‌ الشعاع‌،مباحث رؤية الهلال

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
السحر الاسود,سحر بابل هاروت وماروت :: علم الفلك-
انتقل الى: